الجمعة، 14 سبتمبر 2012

اللقاء الثاني: الإلحاد أم الدين، أيهما بدأ أولاً؟ ، وما هي أركان الفكر الإلحادي؟



بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نبدأ،
تلقيت بسعادة تعليقات وردود قراء المقال الأول، وسأعرض أهمها سريعاً مع تعقيب مختصر،
البسملة التي أبدا بها المقال يمكن إعتبارها جزء من الثقافة الشرقية أكثر منها كشف عن مرجعية إسلامية، فحتى غير المسلمين من الأجانب والمقيمين في دولٍ عربية كثيراً ما يستخدمون عبارات مثل "إن شاء الله" و " الحمد لله".

البعض قال إن ذكري لأسماء من تأثرت بهم من الأساتذة والشيوخ دليلٌ على المرجعية الإسلامية والتي حتماً ستظهر في المقال. أحب أن أوضح أني قرأت وإقتنعت بطرح هؤلاء كما اقتنعت بغيرهم من غير المسلمين ولعل من ذكرت هم أناسٌ جمعتني الظروف بلقاء ثلاثة منهم عن قرب، ولكن هذا لا يعني أن هناك ممن قرأت لهم ولم ألتق بهم كان له أثرٌ كبير في تفكيري، أمثال السير/ أنتوني فلو ¹، الذي تحول من الإلحاد إلى الربوبية بعد 60 سنة قضاها في وضع كتب ونظريات ساهمت كثيراً في كتابات الملحدين، ولعله صاحب الفضل في إلقاء الكرة في ملعب المؤمنين بأن عليهم إثبات وجود الإله!، بعد أن كان عبء إنكار وجوده على الملحدين لقرنين من الزمان! ، ورغم هذا أنكر أحد القراء علم الرجل لمجرد أنه تراجع عن إلحاده. وقد كتب قبل وفاته كتاباً يعرض فيه لتجربته من الإلحاد إلى الربوبية إسمه "هناك إله". There is A God ²
عالمٌ آخر هو العالم الأمريكي الشهير فرانسيس كولين³ رئيس مشروع الجينوم البشري، وله كتاب شهير بإسم "لغة الإله" ، ويشغل حالياً منصب عميد معهد الدراسات العلمية بالفاتيكان. فهو بالتأكيد غير مسلم!
ولعل البعض سيتفاجأ أني قد أستشهد بما كتبه تشارلز دارون وستيفين هوكنج في كتاباتهم، ولكننا سنعرض لهذا في حينه.
نقطة أخرى أثارها بعض القراء، وهي مصطلح الإلحاد، كونه ترجمةٌ غير دقيقة للكلمة الإنجليزية Atheism ، فالكلمة حرفياً تعني "اللادينية" وليس الإلحاد، فحرف الـA  والذي يوضع قبل بعد الكلمات الإنجليزية يفيد النفي، وكلمة Theism ترتبط بالأديان، فمن أين جاء لفظ "الإلحاد"؟
الإلحاد في اللغة هو الميل عن القصد. (لسان العرب، مادة لحد).
وكلمة إلحاد إصطلاحاً هي وصف للموقف الفكري الذي لايؤمن بوجود إله واعي ذكي ومتصف بالقدرة والعلم والإرادة المطلقة (إله أو آلهة).
سؤال: لماذا لا تُستخدم كلمة "لاديني" بدلاً من "ملحد"؟
اللادينية هي إنكار وجود الأديان، سواء سماوية أو أرضية، وهي تشمل الربوبيون (من يؤمنون بإله دون دين)، واللاأدرية، ومن أنكروا وجود الإله. وعليه فهو مصطلح يحمل في طياته معاني كثيرة، وإن كان ولابد من وجود بديل للفظ "إلحاد" في اللغة العربية، فيمكن أن يكون "اللاربوبية"، وهي إنكار وجود الإله، ولكن تبقى كلمة "إلحاد" هي الأكثر شيوعاً حتى بين الملحدين العرب أنفسهم!
فاللادينية مصطلح عام، والإلحاد خاص بمن ينكرون وجود الإله، فكل ملحد هو لاديني بالضرورة، ولكن العكس غير صحيح، فالربوبي الذي يؤمن بإله خالق، دون أن يتواصل معه بأي دين، هو لاديني، ولكنه ليس ملحد، والجدير بالذكر هنا أن السير/ أنتوني فلو، قد مات وهو ربوبي، ولكنه رفض الأديان السماوية كوسيلة تواصل بيننا وبين الإله، وإن كان قال قبل وفاته أنه في إنتظار أن يسمع صوت هذا الإله ويتواصل معه!
يبقى سؤال مثير نوعاً ما: هل وجود الإله شرط في البناء الفكري لجميع الأديان؟، بمعنى آخر: هل يوجد دين دون وجود إله؟ .. سنعرف هذا لاحقاً!

===================================
والآن إلى اللقاء الثاني، وسأحاول أن أكون مختصراً قدر الإمكان في هذه السلسلة.


اللقاء الثاني: الإلحاد أم الدين، أيهما بدأ أولاً؟ ، وما هي أركان الفكر الإلحادي؟

تذكر كارين أرمسترونج في كتابها "تاريخ الإله" أن البداية الحقيقية للمنهج الإلحادي كفكر له أركان وفلسفة واضحة كانت مع نهايات القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت إنحسار لدور الدين متمثلاً في الكنيسة الغربية أمام صعود سريع لتيار العلم الحديث والتطور التكنولوجي. فهذه الفترة من التاريخ شهدت ميلاد عقول بشرية مؤثرة أمثال كارل ماركس (إقتصاد وسياسة)، و تشارلز دارون (علوم)، و فريدريك نيتشه (فلسفة)، و سيجموند فرويد (طب نفسي)، وغيرهم ممن حاولوا وضع تفسيرات علمية للظواهر الإجتماعية والعلمية والنفسية الإقتصادية، بحيث تستغني عن وجود الإله!
لماذا كان هذا الإتجاه؟ الأغلب أن الموقف الذي إتخذته الكنيسة الكاثوليكية ضد معارضيها بدءاً من إنشاء لجنة لمحاربة الهرطقة في 1184م حيث كانت تحرق من تتهمه بالهرطقة (تعبير يصف أي مبتدع في الدين بما يخالف أصل الدين كما تفهمها الكنيسة)، مروراً بالحروب الصليبية والضحايا البشرية الكبيرة التي وقعت بإسم الرب، ثم خلافاتها الشهيرة مع العلماء أمثال جاليليو وكوبرنيكوس، ممن كانت لهم إجتهادات علمية رأت الكنيسة أنها تناقض ما ورد في الكتاب المقدس.

ما الذي حدث بإختصار؟
لاحظ الإنسان ظواهر الحياة من مرض وزلازل وموت، وظواهر فلكية كدوران الشمس والقمر، وغيرها، وبحث عن تفسير لها.

قدم الدين – متمثلاً في الكنيسة الكاثوليكية – تفسيراً دينياً وغيبياً لهذه الظواهر يربطها بالإله، فهو يرسل الأمراض عقاباً لمن عصاه، ويصيب الخطاة بالزلازل والبراكين.

قدم الكتاب المقدس تصوراً عن الأرض بأنها ثابتة وهي مركز للكون، وأن خلق الكون حدث سنة 4004 قبل الميلاد، وهاجمت الكنيسة أي معارض أو مشكك لهذا التصور.

وفي المقابل بدأ العلماء في البحث ومحاولة فهم الكون والحياة ووضع تفسيرات "علمية" لها، وهنا ظهرت فكرة "إله سد الفجوات"، وهي بإختصار شديد: وضع "الإله" كسبب لأي ظاهرة يعجز العلم عن تفسيرها، وعندما يقدم العلم تفسيراً لها، نحذف الإله ونضع العلم، وهكذا حتى يأتي اليوم الذي لا يبقى وجود لـ "الإله" ليملأ أي "فجوة" علمية، ولكن هل سيحدث هذا؟.  ⁹
برجاء ملاحظة أن التفسير الغيبي الديني كان يجاوب في معظمه على سؤال "لماذا"، في حين أن التفسير العلمي حاول الإجابة عن سؤال "كيف".. وهذا فارق جوهري بين العلم والدين أو الفلسفة، ففكرة الغائية "لماذا" لا مجال للعلم فيها.. فمهمة العلم الحديث هي البحث عن الآلية "كيف"، وليس فهم العلّية "لماذا"..، 

ولكن على الرغم من هذا، تم وضع العلم مقابل فكرة الإله، فكان أي فهم لكيفية حدوث ظاهرة ما، وحتى التحكم فيها، يساوي عند البعض الإستغناء عن الدين! في حين أن فهم الكيفية لا يفسر الغائية؟!، ففهمي لكيفية حركة يدي (إرسال المخ لإشارات عصبية تصل لعضلات اليد بتتابع معين فتنقبض بشكل خاص، لا علاقة له بـ "لماذا فعلت هذا؟" هل لأضرب إنسان أم أرفع الأذى عنه؟.

المهم، مع تتابع الإكتشافات العلمية، والتي أثبتت خطأ التفسير الديني عندما حاول الإجابة عن الكيفية بتفسير بدا ساذجاً في معظمه، عندما حدث هذا فقد الناس إيمانهم بمن يمثل الدين (المفسرون)، ثم بالدين نفسه ثم بالإله!، حيث قدم العلم رؤية مترابطة ومدعّمة بالأدلة لفهم أفضل لكيفية عمل الكون والحياة، وبالتالي إنتفت الحاجة لوجود الإله، فالأمراض تحدث بسبب الجراثيم، وبحث العلم عن علاج لها ونجح، والزلازل تحدث لأسباب جيولوجية، نجح العلم في تفسيرها وفهمها، والتعامل إلى حدٍ ما مع آثارها، 
ولكن العلم لم يقدم أجوبة للأسئلة الغائية أو العلّية : "لماذا يحدث هذا؟".

وفي المقابل، إعتقد البعض، مثل الشاعر وليام بليك (1757-1827م) أن الدين كان سبباً في شقاء البشرية، وأنه سنّ قوانين لا تتماشى مع الطبيعة الإنسانية، وأفقد الإنسان حريته في تغيير الواقع (حيث أن كل ما يحدث هو بإرادة الإله وإختياره، فلا مفر منه!).10
وبدأ العلماء في وضع تفسير لنشأة الدين، فقال الفيلسوف الألماني شوبنهاور (1788-1860م) أن الدين صناعة بشرية لتفسير الظواهر المجهولة، ولتنظيم حياة مجموعة بشرية كيفما يرى مؤسس هذا الدين. 11
وقال الفيلسوف نيتشه كلمته الشهيرة "لقد مات الإله"! ، وإعتبر كارل ماركس أن الدين أفيون الشعوب، فهو يخدر البسطاء بأن الإله يريد لحياتهم أن تسير كما هي، وسيعوضهم في الآخرة، فما الداعي للعمل. 12

بينما قال الطبيب الشهير فرويد أن البشرية إحتاجت في طفولتها لما أسماه وهم الدين، كمحاولة من اللاوعي للوصول إلى الكمال في شخصية أبوية خارقة وكاملة ومطلقة، فكان الإله! 13

وسواء إتفقنا أم إختلفنا مع هذا الطرح، فالواضح من كلام هؤلاء أن نشأة الدين سابقة على ظهور الإلحاد!، وعندما نقول "الدين" فنعني أي منظومة دينية كما أسلفنا، فعبادة الكواكب أو الشمس، أو عبادة مئات الآلهة التي تتصارع، أو حتى عبادة أوثان من حجر، فهذا أو ذاك هو دين، ولا يمكن وصفه بالإلحاد بمعنى إنكار وجود إله؟
فكيف إذاً نشأ الدين؟

نشــــأة الديـــن 14

هناك فكرتان رئيسيتان:
1)  فكرة التطور (من الأدنى للأعلى)
a.   تطور بشكل فردي (مفهوم ديني يناسب كل فرد)
b.  تطور بشكل جمعي (مفهوم ديني تتفق عليه مجموعة بشرية)
2)  فكرة الوحي الأول (من الأعلى للأدنى)
وباختصار، فأنصار نظرية تطور الأديان يرون أنه كما فسّر التطور البيولوجي نشوء الحياة والإنسان، فالتطور الإجتماعي يفسر نشوء الدين كظاهرة إجتماعية، سواء كان خاصاً بفهم كل فرد، أو إتفاق مجموعة بشرية على نمط من العبادات والطقوس.

أما أنصار نظرية الوحي الأول، فيعتمدون على فكرة "فطرة الإله"،ثم الوحي الإلهي، حيث أن هناك نزعة بشرية لعبادة كائن أسمى كليّ القدرة وكليّ العلم، ويرى أصحاب هذه النظرية أن الدارس لجميع الأديان حتى أقدمها في الظهور، يرى أن بها تعقيداً وتشابكاً لا يتفق إطلاقاً مع العقلية البدائية! وأن بها آراء لم تتكون إلا بعد تطور طويل وعميق.

فالدين حسب النظرية الأولى (التطور) هو صناعة بشرية، سواء كانت جمعية أو فردية. أما في النظرية الثانية، فهو منحة إلهية منفصلة عن الإنسان، زرعت فيه فطرة البحث عنه، وألهمته السبيل لذلك.

وينبغي ملاحظة أن أغلب الحضارات لم تخلو من معابد ومقابر! وكأن الإنسان الأول كان منشغلاً بهذا الإله؛ يحاول التقرب إليه، ويستعد للقائه في العالم الآخر!

وعليه، فنشأة الدين سحيقة وقديمة، بينما ظهر الإلحاد كمنهج فكري يقوم على إنكار وجود الإله، ظهر متأخراً جداً على مسرح التاريخ الفكري البشري.

فحتى رمز الشر في الأديان الإبراهيمية؛ إبليس أو الشيطان، لم يكن ملحداً! فهو لم ينكر وجود الإله، بل عارضه ورفض الانصياع له.
وينبغي عدم الخلط بين موقف بعض الفلاسفة كأرسطو، والذي أنكر القيوميّة (رعاية الإله لخلقه)، وبين الإلحاد، فهو لم ينكر وجود الإله، ولكنه تصوّره إله سامي عن خلقه، ولا يشغل نفسه إلا بما يليق بذاته، وهو ذاته نفسها! 15

ننتقل الآن للجزء الثاني ، وهو أركان الفكر الإلحادي.

ذكرنا في اللقاء السابق ثلاثة أركان أساسية يقوم عليها مذهب الإلحاد:
1)  معضلات فلسفية: تشمل على سبيل المثال لا الحصر أسئلة مثل:
a.   لماذا يحاسبني الإله إذا كان قد خلق أفعالي؟
b.  هل أنا مخير أم مسير؟
c.    لم يأخذ الإله موافقتي على هذه الحياة وهذا الإختبار!
d.  معضلة الجحيم: كيف تستوي رحمة الله أو حتى عدله في أن يخلد شخص في الجحيم، حتى لو قضى عمره كله في ذنوب وخطايا؟
e.   ولكن أشهرها على الإطلاق "معضلة الشر"، وتعني أن علم الإله ورحمته وقدرته المطلقة لا تتفق مع وجود الشر، فإن كان يعلم وجوده، ولا يستطيع منعه فهو ليس بقادر، وإن كان يستطيع منعه ولا يريد فهو ليس برحيم، وإن كان لايعلم فهو ليس بعليم، وفي كل الأحوال هو ليس بإله! وتعرف أيضاً بمعضلة أبيقور 16... ويذكر السير أنتوني فلو أن معضلة الشر كانت من أهم الأسباب التي دفعته للإلحاد منذ صغره، ووضع تفسيراً فلسفياً لها بعد إيمانه في آخر حياته بوجود إله، سنتطرق إليه في اللقاء القادم.
2)  خلق الكون: علوم الفلك والفيزياء توصلت لقوانين ونظريات لنشأة الكون وطريقة عمله، يعتقد الملاحدة أنها لا تحتاج لوجود "إله" لتفسيرها، وأشهر من يمثل هذه الجانب، عالم الفيزياء الإنجليزي ستيفين هوكنج، ووضع خلاصة فكره في هذا المجال في كتابه التصميم العظيم The Grand Design 17
3)  خلق الحياة: الفكر الديني التقليدي يقول بالخلق الخاص، ولكن العلم أثبت صحة مفهوم التطور (سنتعرض لاحقاً للفرق بين مفهوم التطور ونظرية التطور الدارويني)، وعلى مستويات عدة؛ وقدمت لذلك أدلة من علوم الأحافير، والتشريح، وعلم الجينات، وأغلب – إن لم يكن كل – الهيئات العلمية المحترمة في العالم المتقدم الآن تعتقد بأن نظرية التطور هي أفضل ما توصل إليه العلم لتفسير نشأة الحياة، ولا تكاد أي هيئة علمية تذكر أي شئ عن الخلق الخاص أوالمباشر، حيث أنه بلا أي سند علمي – حتى الآن!، ومن أشهر علماء العصر الحديث في هذا المجال ريتشارد دوكنز 18 عالم الأحياء البريطاني، والذي يصفه البعض بأكبر المدافعين عن الإلحاد ، وله عدة كتب، أشهرها "وهم الإله" ، و "الجينوم الأناني" ، و "صانع الساعات الأعمى".

وسنتحدث في اللقاء القادم عن المعضلات الفلسفية، ونُفصّل في أشهرها وهي معضلة الشر.

وشكراً جزيلاً على وقتكم،،
د. أحمد جلال


المراجع:
5)  موقع لسان العرب: http://www.lesanarab.com/
14)نشأة الدين – النظريات التطورية والمؤلِّهة. أ.د/ علي سامي النشَّار. دار السلام – القاهرة.

الاثنين، 3 سبتمبر 2012

مقالات في الإلحــــــاد ... اللقاء الأول : تعريفات

 مقالات في الإلحــــــاد ... اللقاء الأول : تعريفات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن تبدأ،
هذه سلسلة مقالات عن الإلحاد، ليس الهدف منها الهجوم على الملحدين، كما أني لست واعظاً لأحاول إستمالة القارئ ملحداً كان أو غير ذلك، إلى الإسلام...
الهدف من وراء هذه السلسلة هو عرض وجهة نظر الملاحدة، ودراسة الأسباب التي دفعت إنساناً ما للإلحاد، ومحاولة تحليل هذه الأسباب والرد عليها علمياً وعقلياً ومنطقياً وفلسفياً، ولن ألجأ إلى أي نص مقدس أو تفسير ديني.

معظم ما سيرد في هذه السلسلة هو ثمرة كتابات أستاذي الدكتور/ عمرو شريف، و جهود شيخي الدكتور/ محمد العوضي، والمهندس/ فاضل سليمان، بالإضافة إلى محاضرات الدكتور/ عدنان إبراهيم....وسأعرض لجميع المصادر والمراجع في مكانها. فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن سوء فهمي!


اللقاء الأول : تعريفات

في البداية سأوضح تعريفات لكثير من المصطلحات والمفاهيم والقوانين التي سترد في هذه السلسلة، لا تشغل بالك بفهم كل مصطلح الآن، فيمكن إعتبار هذا الفصل "قاموس" تعود إليه عند الحاجة، وسأحاول تبسيط هذه التعريفات قدر الإمكان، كما سيرد ذكرها – مع غيرها – بالتفصيل في الحلقات القادمة.
أكرر مرة أخرى، لا تنزعج عزيزي القارئ إذا وجدت بعضاً من هذه المصطلحات غامضاً، فكلٌ سيأتي ذكره بالتفصيل والأمثلة في المقالات القادمة.
 Religion الدين :
مجموعة من العقائد تفسر العلاقة بين البشر والكون، وتجيب عن الأسئلة الغائية.
يقوم البناء الفكري لمعظم الأديان على منظومة تتكون من:
 God إله
قوة خارقة واعية ذكية لها إرادة، خلقت هذا الكون بأشكال الحياة التي فيه.
قيومية الإله:
لم يكتف بالخلق، بل هو يرعى شئون  الكون.
إله يتواصل معنا:
أرسل رسل، بكتب سماوية ومعجزات تعضد عند البشر أنهم مدعومون من السماء، وفي هذه الكتب أحكام وشرائع، وشرح لوسيلة التواصل، كما أن هناك يوم آخر، وفيه نعيم وعذاب.

وعليه، فهناك من أنكر وجود هذا الإله، وهناك من أنكر القيومية، وهناك من أنكر النبوّات.


 Atheismالإلحاد:
مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدميّة أساسها إنكار وجود الله أو خالق واعي لهذا الكون.¹
الإلحاد القوي (الإيجابي): الإعتقاد بعدم وجود إله، بناءً على أدلة علمية وفلسفية.
الإلحاد الضعيف (السلبي): إنكار وجود إله لعدم الإقتناع بأدلة المؤمنين على وجوده.
الإلحاد المطلق: إنكار وجود إله.²
الإلحاد النسبي: إنكار تصوّرات معينة للإله، كرفض صورة الإله التي تقدمها الأديان. 

Agnosticism اللاأدرية:
توجه فلسفي يقول أن القيمة الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة ولا يمكن لأحد تحديدها. وأن قضايا وجود الله أو الذات الإلهية بالنسبة لهم موضوع غامض كلية ولا يمكن تحديده في الحياة الطبيعية للإنسان.

 Deism الربوبية:
مذهب فكري لا ديني وفلسفة تؤمن بوجود خالق عظيم خلق الكون وبأن هذه الحقيقة يمكن الوصول إليها باستخدام العقل ومراقبة العالم الطبيعي وحده دون الحاجة إلى أي دين، وبالتالي ينكر أتباع هذا المذهب النبوّات والأديان، ويؤمنون انها صناعة بشرية.

 Theism الألوهية:
العقيدة الخاصة التي تفيد بأن هناك علاقة بين الطبيعة الإلهية وعلاقته بالكون الطبيعي ،وتؤمن بالإله الشخصي وأنه يقوم بتحكيم وتنظيم العالم والكون، وبالتالي تؤمن بالأديان والرسل، وأن معرفتنا بصفات الإله وما يريده منّا تكون عن طريق الوحي.³

  Philosophy الفلسفة:
كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني "فيلوسوفيا؛ فيلو= حب – صوفيا = الحكمة" بمعنى محبة الحكمة أو طلب المعرفة.
وللفلسفة ثلاثة مباحث رئيسية:
 Ontologyمبحث الوجود:
يناقش علة الوجود، وهل العالم قديم (= أزلي) أم حادث؟
Epistemologyمبحث المعرفة = نظرية المعرفة:
يناقش مصادر وموضوعات وأهداف المعرفة.
Axiologyمبحث الأخلاق:
يناقش قضايا السلوك والأخلاق.

Logic علم المنطق:
هو فرع من الفلسفة يدرس صور الفكر وطرق الاستدلال السليم.

 Science العلم:
 كل نوع من المعارف أو التطبيقات. وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين.⁴
تعريف آخر للعلم: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل.⁵

Anthropic Principle المبدأ الإنساني:
عبارة عن أطروحة تقول بأن الكون حتمي حيث تكون معادلاته وقوانينه الطبيعية مناسبة لظهور أنواع حياة ذكية، حيث أنه لو كانت الجسيمات الأولية مثل الإلكترون و البروتون ليست بصفاتها الموجودة والقوانين التي تحكمها ، لكان من غير الممكن نشأة الحياة على الأرض بما فيها نشأة الإنسان نفسه . والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي بمقدوره وصف الكون ومراقبته وتحليله فيزيائياً.

 Scientific Methodالمنهج العلمي:
يقوم على ملاحظة ظاهرة ما، و دراسة العوامل المحيطة بها ومحاولة وضع فرضية مبدأية لتفسير آلية حدوثها ومدى تأثير هذه العوامل، ثم إختبار هذه الفرضية فإن صحت، تصبح نظرية، وننتهي بالخروج بقوانين علمية ورياضية.
 Hypothesisالفرضية:
محاولة مبدأية (ومؤقتة) لوصف ظاهرة ما. والفرضية العلمية يجب أن تكون قابلة للإختبار والتجربة، وأن تكون إمتداداً لفرضيات أو نظريات سابقة.
 Theoryالنظرية:
بناء محكم أو منظومة تصف الظواهر الطبيعية والاجتماعية وتكون مستندة إلى الدليل والشاهد من خلال التجربة. وهي تعبير منظم ومصاغ يبنى على كل الملاحظات السابقة ويمكن استخدامه في التنبؤ بالظواهر، كما يجب أن يكون بناؤها منطقي، وقابل للإختبار والتجربة ولم يسبق أن تم نقضها.
 Scientific Factحقيقة علمية:
معلومة ليست محل جدال علمي.

 Metaphysics علم ما وراء الطبيعة :
وهو العلم الذي يدرس الأسس الأولى أو المبادئ الأولى التي تقوم عليها المعرفة الإنسانية، وهذه الأسس هي أسس أنطولوجية (مفهوم الوجود) وكوزمولوجية (مفهوم الكون) ونفسية ولاهوتية.
ملاحظة: الفيلسوف أرسطو هو واضع أسس هذه العلوم، غير أنه لم يذكر هذا المصطلح أبداً في كتاباته بل أطلق عليها إسم "الفلسفة الأولى"!، ويرجع أصل التسمية إلى تلاميذ أرسطو حيث وجدوا أن الفصول التي تتحدث عن هذه العلوم قد وضعها أرسطو بعد (= وراء) الفصول التي كتبها عن العلوم الطبيعية (= الفيزياء)!ـ

قوانين الفكرالأرسطية (نسبة لأرسطو): ثلاثة قوانين:
1) قانون الهويّة أو الذاتية: الشئ هو نفسه.
2)قانون عدم التناقض: نقيض الشئ هو نفيه، ولا يمكن إجتماعهما معاً.
3) قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع: إستناداً إلى القانون الأول والثاني، فالشئ إما أن يكون نفسه أو ليس نفسه.

تعريف المخ Brain:
الجزء الأكبر والأهم من الجهاز العصبي، ويتكون من نصفي كرة، يشغلان تجويف الجمجمة، ويبلغ وزنه في الإنسان البالغ حوالي الـ 1350 جم، وهو ما يشكل 2% من وزن جسم الإنسان.
تعريف العقل: Mind
مصطلح يستعمل لوصف وظائف المخ العليا، ومنها الإدراك، والذكاء، والذاكرة، وافنفعال العاطفي، والجدال، والشعور بالذات، وغيرها.
مراحل الإدراك: قسّمها العلماء لـ 4 مراحل:
1)إدراك حسي (بالحواس الخمس).
2)إدراك خيالي (مقارنة الصور الحسية بتلك المحفوظة في الذاكرة، ومقارنتها ببعضها البعض).ـ
3)إدراك وهمي (الشعور بما يشعر به الآخر نحوه كالحب والكره والعداء).ـ
4)إدراك عقلي (الوظيفة العليا للمخ، وهو نوع من الإدراك يتميز به الإنسان عن سائر الكائنات الحية، وبه يستطيع إدراك القيم المطلقة (الحق والخير والجمال)، وإنتزاع المفاهيم الكليّة من الجزئية، ويعتبر علم المنطق من مظاهر هذا النوع من الإدراك.

 Occam's razor موس أوكام:
يعتمد المبدأ على أن شرح أي ظاهرة يجب أن يقوم على أقل عدد من الفرضيات. يتم ذلك بترك أي فرضية لا تؤثر أو تشرح الظاهرة أو النظرية.

أحوال العقل في الحكم على الأشياء: ثلاثة لا رابع لها.
الشئ إما أن يكون :
1)واجب الوجود
2)ممكن الوجود
3)مستحيل الوجود

أساليب التفكير: هناك نوعان أساسيان:
1)تفكير مغلق: يتبنى العقل فكرة ما، ثم يحاول أن يُخضع الشواهد لها، للوصول إلى الفكرة التي بدأ بها.
2)تفكير مفتوح: يقف العقل إبتداءًعلى الحياد، ويدرس الشواهد، ويضع فرضيات ونطريات، ليصل إلى إستنتاجات، وأفكار يصوغها في قوانين.

 Secularism العلمانية :
الترجمة الصحيحة للمصطلح اللاتيني هي "الدنيوية" أو "اللادينية" بإعتبارها دعوة إلى إقامة الحياة بناءً على العلم الوضعي والعقل البشري، ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين. ⁶، بإعتبار الدين قيمة متجاوزة للبشر(= قيمة فوقية، غيبية، روحية) لا تخضع للعقل. ولا توجد أي علاقة "إصطلاحية أو لغوية" بين العلم والعلمانية، بل العلاقة اللغوية نشأت لوصف العالم المادي المنظور، في مقابل العالم الغيبي (= الدين).
وعليه يمكن إعتبار العلمانية نوع من الإلحاد السياسي.
ويعتقد البعض أن كل الملحدين علمانيون بالضرورة، بينما العكس ليس صحيحاً.

Proof البرهان:
عملية استدلال تهدف إلى تأكيد صدق (أو كذب) قضية ما. والاستدلالات التي يبنى عليها البرهان، والتي تترتب
عليها القضية منطقياً تسمى الحجج.
وفي علم المنطق يُعرّف البرهان بأنه: القياس المؤلف من يقينيات لإنتاج يقيني.
وفي علم الرياضيات، يُعرّف البرهان الرياضي بأنه: عبارة عن إثبات، يستند على بديهيات معينة، لعبارة رياضية أو علاقة رياضية بأنها صحيحية منطقيا حكما في ظل هذه المجموعة من البدهيات.
ويعتبر البرهان الرياضي أكمل أشكال البرهان، وتُعد العلوم الهندسية أقوى العلوم برهاناً، فالبرهان الرياضي أسمى نموذج لليقين تسعى إليه العلوم الطبيعية والإنسانية، ويعتمد البرهان الرياضي على الإستنتاج المحض  Deduction

Induction الإستقراء:
البرهان بالإنتقال من الخاص إلى العام، كما في العلوم الطبيعية، فملاحظة ظاهرة ما، يدفع العلماء إلى البحث للوصول إلى نتيجة وقانون عام يسري على كل الظروف المشابهة، حتى لو لم تتم دراستها كل على حدة.
 فيمكن القول للتبسيط : أن الإستنتاج المحض يسير في إتجاه معاكس للإسقراء

. Axiom البديهية :
هي أي افتراض يكون مقدمة لاستنتاج تصريحات أخرى منطقيا. والبديهيات لا يمكن أن تشتق بمبادئ الاستنتاج، كما لا يمكن اثباتها عن طريق البرهان لأنها مقدمات مفترضة.

  Indication الدلالة:
كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر. (جرس الهاتف يرن، يدل على أن هناك من يتصل).
وتنقسم الدلالة إلى أقسام ثلاثة:
1) الدلالة العقلية: هي الدلالة التي تنشأ من الملازمة بين الشيئين ملازمةً كضوء الصبح الدال على طلوع الشمس. وتتميَّز هذه الدلالة: بأنَّها لا تختلف باختلاف الأشخاص والأمصار، فهي تحصل لأيِّ إنسانٍ مهما كان سواء العالم أو الجاهل، القروي أو الحضري.
2) الدلالة الطبعيّة: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعيَّة أي يقتضيها طَبْعُ الإنسان، وقد يختلف حسب طباع الناس..
3) الدلالة الوَضعية: هي فيما إذا كانت الملازمة بين شيئين ناشئة من التواضع والاصطلاح، وذلك باتفاق جماعة على وضع شيء لشيء. ⁷

================================================

ونبدأ في المقال القادم في التعرض لموضوع السلسلة، وأقترح على حضراتكم أن تكون الأبواب بالترتيب التالي:
  1. تعريف الإلحاد، ونشأته.
  2. أركان الفكر الإلحادي.
  3. معضلة الشر.
  4. خلق الكون، هل وجود الإله ضرورة؟
  5. خلق الحياة، هل وجود الإله ضرورة؟
  6. خلق الإنسان، خاص ومباشر، أم تطوري؟
  7. هل تطور العقل البشري؟ متى صار المخ عقلاً؟
برجاء ملاحظة أني لن ألجأ إلى أي دليل من أي كتاب مقدس كما أسلفت، فعند الحوار مع أي إنسان، على جميع الأطراف المشاركة في الحوار، أن تتفق على مرجعياتهم المشتركة، فما هو مقدس عندي وملزم قد لا يكون كذلك عندك!، وعليه فسنستخدم لغة العلم والمنطق، وأحياناً الفلسفة.
......
ويسعدني تقبل إقتراحاتكم، بإضافة أبواب أو حذفها، أو إعادة ترتيبها، ولكم جزيل الشكر.

د. أحمد جلال
==============================================
المراجع:
  1. الموسوعة المفصلة في الفرق والأديان والملل والنحل والحركات القديمة والمعاصرة، إعداد مكتب التبيان للدراسات العربية وتحقيق التراث – دار إبن الجوزي، القاهرة. الجزء الثاني، صـ 895
  2. المحاضرة الثانية للدكتور/ عدنان إبراهيم، في سلسلة مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد. https://www.youtube.com/watch?v=Q4-qU6wLaLU
  3. English Deism: Its Roots and Its Fruits. By: John Orr., 1934
  4. المعجم الوجيز، مادة "علم" صـ 432
  5. كتاب التعريفات للجرجاني، صـ 155
  6. الموسوعة المفصلة في الفرق والأديان والملل والنحل والحركات القديمة والمعاصرة، إعداد مكتب التبيان للدراسات العربية وتحقيق التراث – دار إبن الجوزي، القاهرة. الجزء الثاني، صـ 839
  7. دروس في علم المنطق للشيخ إبراهيم الأنصاري

الأحد، 2 سبتمبر 2012

الإسلام و الليبرالية... من يحتاج إلى من؟؟؟

 الإسلام و الليبرالية... من يحتاج إلى من؟؟؟

كتبت في Sunday, November 6, 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

أهم النقاط في المقال: ـ
  • تعريف وتاريخ نشأة الليبرالية
  • ظهور الديموقراطية الليبرالية
  • الإسلام الليبرالي
  • الإسلام والليبرالية؛ من يحتاج إلى من؟

  • التعريف و ظروف النشأة
الليبرالية تعبيرٌ برّاقٌ ومُثير ! كلمةٌ تحمِلُ معاني الحرية والإنطلاق بلا قيود.
ولكننا نتحدث عن المذهب السياسي وليس المعنى اللفظي.ـ

وبتعريف مدلولها نفهم تطبيقاتها أكثر . وبمعرفة ظروف نشأتها، نستطيع أن نحدد مدى ملائمتها لظروفنا أم لا؟
 Liberalism اشتقت من كلمة  Liber الليبرالية كلمة لاتينية تعني الحر.

وسياسياً تعني تبني وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الإنسان كفرد ، وكجماعة من القيود السلطوية الثلاثة (السياسية والاقتصادية والثقافية)ـ
وفي جملة واحدة مفيدة، الليبرالية تدور حول "ضمان حرية الفرد".ـ

لا تختلف ظروف نشأة الليبرالية كثيراً عن الظروف التي أنجبت "العلمانية"، فالليبرالية – كمذهب سياسي – نشأت في أوروبا المسيحية رداً على ثلاثية التسلط السياسي (الملك) والإقتصادي (الإقطاع) والثقافي =الديني (الكنيسة)، فقد تحالفت هذه القوى الثلاث ، ونهبت خيرات البلاد وضيّقت على العباد.

وتسآءل البعض: لماذا نحتاج للسلطة والحاكم؟ لم نجني من وراءهم إلا المشاكل،
فبرزت فكرة "مجتمع بلا دولة"! يحيا فيه الناس أحراراً، دون قيود أو وصاية من أحد!.ـ
ولكن المفكرين والسياسيين إعتبروا وجود كيان حاكم (=الدولة) ضروري، لأن الحرية بلا قيود ستؤدي إلى فوضى، ووجود الدولة ضروري كي تنتظم الأمور.
وهذا ما دعا فلاسفة أمثال جون لوك وجان جاك روسو وغيرهم لوضع نظرية "العقد الإجتماعي" وهي ببساطة تفترض وجود "عقد" بين الحاكم و المحكوم، وأن رضا المحكوم (=الشعب) بالحاكم (=السلطة) ومرجعيتها (=القانون) هو أساس هذه العلاقة، وحيث أن "حرية الفرد" هي محور الليبرالية، فقد إقتصر دور الحاكم (=السلطة) على تلبية وضمان وصيانة الحرية الفردية ولكن بما لا يتعارض مع الصالح العام.
وهو ما يعرف في الفكر الليبرالي بـ "دولة الحد الأدنى"، الحد الأدنى من التدخل، حيث أن الليبرالية نشات رفضاً لسلطة الدولة.
إذاً، دور الحاكم في الليبرالية هو ضمان حق الفرد في الحرية والإختيار، بما لا يتعارض مع الصالح العام، أو النظام العام (رغم وجود إختلافات طفيفة بين التعبيرين).ـ
فأنا كفرد – في الفلسفة الليبرالية – لي مطلق الحرية في إعتناق أي فكر أو ممارسة أي شعائر أو طقوس أو ممارسات من أي نوع، طالما لا أهدد السلم الإجتماعي، فالليبرالية قد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها و تتكيف حسب ظروفه، مع حفاظها على استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية.

مثال: هناك مفهوم شائع لدى العامة أن الليبرالية تدعو للشذوذ الجنسي و الإلحاد، وفي الحقيقة أن الليبرالية لا تتخذ أي موقف (مع أو ضد) هذه الأفكار أو الممارسات، فهي وإن كانت لا تعترف بأي سلطة على الفرد، فهي تأخذ موقفاً صارماً إذا تسببت هذه الحرية في الإخلال بالسلام الإجتماعي، ـ

فالإلحاد أو الحرية الجنسية لا تؤثر على السلام الإجتماعي في بعض المجتمعات الغربية، وبالتالي لاتوجد مشكلة مع الليبرالية ، بل على العكس تحمي هذه الممارسات.

ولكن في بعض المجتمعات الشرقية، قد تسبب هذه الممارسات تهديداً للسلام الإجتماعي، هنا تتدخل الحكومة الليبرالية لضمان حرية الأفراد، ولكن دون الجهر الفج بهذه الممارسات، ولكنها لا تجرّمها لمجرد تعارضها مع قيم المجتمع!،ـ
فالليبرالية تعطي الأولوية لـ"الحق الفردي" بصرف النظر عن ما هو "فاضل أو صالح"، أي أنها تسعى إلى توفير حياة "جيدة" للناس والجماعات حسب تعريفهم هم الفردي لما هو جيد بالنسبة لهم!!ـ
هذه نقطة مهمة للغاية.

====================================================
  • ظهور الديموقراطية الليبرالية
وهنا يتجلى الفرق بين الديموقراطية والليبرالية، فالديموقراطية تعني حكم الأغلبية، حتى لو هدد مصالح الأقلية!، لكن الليبرالية بتركيزها على الحرية الفردية، فهي تحمي حقوق الأقليات في أي مجتمع، ومن هنا نشأ النظام السياسي الشائع في معظم الدول الغربية الآن وهو الديموقراطية الليبرالية، وهي ببساطة ديموقراطية ولكن بمبادئ ليبرالية دستورية تحفظ و تحمي حقوق الأقليات، حتى لو رفضتها الأغلبية!ـ
ولهذا فدائماً ما تفضل الأغلبية النظام الديموقراطي، ولكن الأقليات تميل إلى النظام الليبرالي..ـ

من الممكن أن نستنتج من هذا الطرح أن الليبرالية لا تعترف بوجود مرجعية لها (كتاب أو فيلسوف)، لأنها لو قدّست أحد رموزها لخرجت بذلك من مبدأها الأساسي وهو حرية الفرد في الإختيار!، وبالتالي فكل ليبرالي هو مرجع لذاته.
ولهذا يصف بعض المحللون الليبرالية بأنها أيدلوجية قابلة للتأويل و لها مائة وجه، و تجيد المراوغة والتحول. ـ
وتكادُ ترى أنّ كل ليبرالي له فهمه المستقل لليبرالية، وقد يرفض ما يعتنقه غيره من الليبراليين حسب ظروف مجتمعه 

المهم ،  أن الليبرالية كفِكر، لا تستقيم إلا في ظل نظام سياسي علماني،
و نظام إقتصادي يدعو للسوق الحر: بمعنى أن الدولة لا تتدخل في العلاقات الإقتصادية بين المؤسسات والأفراد، إلا لحفظ الحقوق.
وضمان حرية الفكر والإبداع.
أما عن نظرة الليبرالية  للمجتمع فهو "مجموعة من الأفراد يسعى كل واحد منهم لتحقيق مصالحه واحتياجاته"

===================================

  • عيوب في التطبيق الديموقراطي و الليبرالي: ـ
الديموقراطية تعني حكم الأغلبية، حتى لو أضر بالأقلية، وهذا العوار السياسي إحتاج إلى إصلاح فتأتي الليبرالية لتضمن حريات الأقليات، وتنشأ "الديموقراطية الليبرالية". لاحظ عزيزي القارئ أن الإسلام ضمن حقوق الأقليات – في وثيقة المدينة – قبل 1400 سنة من إكتشاف الديموقراطيين لهذا النقص في مذهبهم ، وإحتياجهم لمساعدة من الليبرالية!ـ

ولكن الليبرالية تطلقُ حريات الأفراد دون قيد أو شرط طالما لا تهدد "مصالح" الآخرين. ولكن هذا أيضاً عوارٌ سياسي سيصيبُ الليبرالية ، إن لم يكن أصابها الآن، فالمجتمع الغربي الليبرالي يعاني من خلل إجتماعي له إنعاكسات إقتصادية، قد تكون كارثية على الصعيدين، بمعنى:ـ
الفرد له مطلق الحرية الشخصية في ممارسة ما يريد..
معاقرة الخمور أو الشذوذ الجنسي هو حرية فردية.. مبدأ يبدو برّاقاً ومغرياً.
ولكن هذه الحرية تنسىَ أنّ الفردَ – في المنظورِ الإسلاميِ – جزءٌ من المجتمعِ و الكونِ بأسره، وسلامته العقلية والحفاظ عليها من مقاصد الشريعة،،

ولكن دعونا نتكلم بشكل براجماتي و نفعي بحت
هذا المدمن للخمور الذي وصل لتليف بالكبد على سبيل المثال، و توقف عن ممارسة عمله في المجتمع، أو الشاذ جنسياً الذي أصيب بالأيدز، وأيضاً لم يستطع مواصلة عمله، بل واحتاج لرعاية صحية وتأمين لمعيشته، يتكفل به دافعوا الضرائب، وهم مواطنون صالحون لم ينزلقوا لهذا المنعطف – تحت ذريعة الحرية، وكأنهم يدفعون ثمن إستقامتهم وصلاحهم لمن إختاروا – بإرادتهم وحريّتهم – أن يعادوا قيم الخير و الصلاح والإستقامة. ولا يعني هذا أبداً رفض التكافل الإجتماعي ، وهو مبدأ إسلامي هام، ولكن هذه الحرية الفردية أثّرت في النهاية على الصالح العام، فأفقدت المجتمع عضواً نافعاً، بل وأصبحَ عالةً على باقي الأفراد ، لمجرد أنه إستسلمَ لغرائزهِ وشهواته بلا ضابط، ومارس حريته في إختيار و ممارسة ما يريد!ـ

تخيل عزيزي القارئ هذه الطاقات المعطلة، والأموال التي تصرف عليها، كيف كان المجتمع سينهض إقتصادياً و أخلاقياً، لو تم إستغلالها بشكل صالح؟؟

هذا التناقض الليبرالي لابد وأن يصل إلى محاولات لإعادة الصياغة و الفهم ، للخروج من هذا المأزق الإجتماعي والإقتصادي، ناهيك عن الأخلاقي

-------------------------------------------------------------------------------

ولكن أين المشكلة مع مجتمعاتنا الشرقية؟
لماذا يتحفظُ، بل ويعادي البعض الليبرالية؟
فكرة الحرية جميلة، وهي فطرة ونزعة بشرية.
والليبرالية تدعو لحرية الفرد بلا قيود، الحرية في الرأي والتعبير والإعتقاد والممارسة،،، وحتى لا تتحول لفوضى، قيّدها بالقانون الذي يَحمي هذه الحُريات، ويمنعها من التعدي على الصالِح العام، الذي يتغيرُ بتغير الزمان والمكان.

هنا يبرز دور الدين!ـ

هناك عبادةٌ وفريضةٌ في الإسلام كفيلةٌ بإجابةِ هذا السؤال (لماذا يُعادي البعض الليبرالية؟)!ـ
ما هي هذه العبادة؟؟ تأمل عزيزي القارئ هذه الآيات و الأحاديث الشريفة
يقول تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله"
آل عمران:110
والحديث الشريف في صحيح مسلم:ـ
( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )

وأيضاً الحديث الوارد في صحيح مسلم
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان
إنها عبادةُ "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"! وبصرفِ النظر عن تنظيم هذهِ الفريضة (منْ لهُ الحق في الأمر والنهي، وماهية
الوسائل) فإنّ هذه العبادة والفريضة الإسلامية تمثل – في الفكر الليبرالي – تعد صارخ على حرية الفرد والتي تدور الليبرالية حولها، لأنها تعترفُ إبتداءاً بحقِ المُجتمع في توصيف "المُنكر" وما ينبغي على الفردِ عملهُ أو تركه.ـ

و كما يُمكن القول أن الليبرالية تُقدِسُ الفردية، فبالتالي يَتصادمُ هذا الفهم مع آياتٍ و أحاديثَ من قبيل:ـ

قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
الجاثية:23

روى الطبراني، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ما تحتَ ظلِ السماءِ من إلهٍ يعبدُ من دونِ اللهِ أعظمُ عندَ اللهِ من هوىً متبع

ومن الممكنِ الإكتفاءُ بطرح هذه الإشكالية بين الإسلام والليبرالية، ولكن دعونا نتأملُ محاولةَ البعضِ التقريبَ بينهما فيما يعرف بـ "الإسلام الليبرالي".ـ

===============================================
  • الإسلام الليبرالي

بإختصارٍ شديد، تقوم فكرةُ الإسلام الليبرالي على محور "إستقلال الفرد في تفسير النصوص؛ القرآن والسنة"ـ.
وبالتالي يطرح دعاةُ الإسلام الليبرالي مفاهيمَ غير تقليدية للنصوص، منها على سبيل المثالِ لا الحصر:
  • رفض قوانين الميراث التي تميز بين الذكر و الأنثى، فهم ينادون بالمساواة، كما حدث في تونس أيام بورقيبة وبن علي.
  • رفض تعدد الزوجات، إنطلافاً من الجمعِ بين آيتين في القرآن الكريم:
"فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً"
و
"وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ"
إذاً : لا يوجد تعدد في الإسلام.. هكذا يفسرُ دعاة الإسلام الليبرالي النصوص!ـ
  • يقبلُ بعضُ المسلمون الليبراليون بإمامةِ المرأةِ في الصلاة للرجال والنساء على حدٍ سواء، وحيثُ أن الليبرالية الإسلامية لا تعترفُ بالحجاب كفريضة، وتنادي بالمساواةِ الكاملة، فيمكنُ أنْ نتخيلَ مشهدَ صلاةِ الجماعةِ بهذا الفهم!!ـ
  • دعاةُ الإسلام الليبرالي ينادونَ بالعلمانيةِ كمذهبٍ سياسي حاكم لإدارةِ البلاد، وردّهم على الإسلام التقليدي هو: أن القرآن الكريم نزل في ظروف خاصة، كانت الدولة الإسلامية في بدايتها، أما الآن فالعقل الفردي (وليس الجماعة) يجب أن ينظر لما يناسبه، مع إستلهام روح الإسلام وقيمه العليا من الحرية والعدل والمساواة. وهم يؤكدون أيضاً على إيمانهم بأركان الإسلام الخمسة..وإن كانت جماعة القرآنيين قد خرجت من رحم الإسلام الليبرالي، وهي ترفض السنة إجمالاً، وبالتالي تختلف صلاتهم وزكاتهم عن الإسلام السنّي، ولكن هذا ليس موضوعنا الآن.
  • يتحفظ المسلمون الليبراليون على فكرة الجهاد بمعناه المسلح، ويميلون إلى جهاد النفس (اللا عنف).ـ
  • يميل بعض (وليس كل) المسلمون الليبراليون لقراءة القصص القرآني حول الأنبياء على أنها رمزية أكثر منها حقائق تاريخية.
من أهم رموز الفكر الليبرالي الإسلامي : جمال البنا، نصر حامد أبو زيد، خالد منتصر، طارق حجي، خليل عبد الكريم، فرج فودة، و طه حسين.
ومشاكلهم مع المرجعيات الدينية معروفة، فهم – إنطلاقاً من الليبرالية – ينادون بحرية كل فرد في فهم وتفسير النصوص كيفما يرى، دون قيود أو حدود وضعها السابقون.

والخلاصة: أن وسائل الليبرالية متغيرة دائماً ومائعة حسب الظروف ، وذلك بهدف الوصول لغاية ثابتة ومقدسة وهي "حرية الفرد".ـ
حرية لا تعترف بأي قيود أو ضوابط في الفكر والدعوة إليه، والإجتهاد الفردي في فهم النصوص.
حرية "تمنع وترفض" مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
حرية "تحتكر" فهمها للنصوص ، و "ترفض" إلتزام – من يريد – بمظاهر فهمه للدين، فالليبرالية في تطرفها تمنع التعدد و الحجاب وتساوي في الميراث.
حرية ترفض أن يملي أحدٌ عليها – كائناً من كان – إفعل و لاتفعل، فهو حر في أن يشرب الخمر، ويعاشر من شاء من النساء أو الرجال!، طالما لا يهدد هذا مصالح الآخرين.
الليبرالية تنادي بالتسامح وقبول الآخر، ولكنها تتهكم مع آراء معارضيها بوصفها "ردة فكرية" و "ظلامية في التفسير".ـ
الليبرالية التي قامت أساساً على السوق الحر، وحرية الإقتصاد، أثمرت رأسمالية متوحشة إلتهمت حقوق الطبقات الدنيا ضماناً لحرية أصحاب رؤوس الأموال.

والقول بأن الإسلام يمكن أن يوصف بالليبرالية، كما وصف من قبل بالماركسية، هو من قبيل مغازلة المسلمين، لعلمهم بصعوبة فصل الإسلام عن حياة معتنقيه. ولكن السؤال:
  • إذا كانت الليبرالية – أو العلمانية – لا تتعارض مع الإسلام ، فلماذا الإصرار على إلصاق هذا المصطلح بالإسلام؟، وكأن الإسلام "يحتاج" إلى إضافة أو فهم "بشري" حتى يصبح ملائماً؟

  • إذا كانت قيم الليبرالية و الديموقراطية و العلمانية موجودة في الإسلام، فلماذا الإصرارُ على إستلهامها من الفهمِ الغربي؟؟
  • لماذا نرفض المفهوم الإسلامي لمبدأ "الشورى" إذا كان لا يتعارض مع الديموقراطية؟

=========================================================

  • من يحتاج إلى من؟

إنّ الإسلام – كدين شامل – لا يحتاج لمذهب بشري يضيف أو يحذف منه ليجعله أكثر ملائمة، ولكن هذه المذاهب بوصفها بشرية ستظل تضيف و تحذف، وتعيد النظر حتى تصلَ إلى الكمال المنشود، ولكنها - كواضعيها من البشر -، ناقصة و متغيرة، دون ذم أو إنتقاص من قيمة العقل الإنساني، ولكن الحقيقيةَ الثابتة أنّ العقلَ البشري متغير و نسبي، وبالتالي كل ما ينتجُ عنه ، هو أيضاً متغيرٌ و نسبي. وحيث أن المطلقَ الوحيد هو الله سبحانه و تعالى؛ علمهُ محيط و مطلق، فكل ما يأمرُ به أو ينهى عنه، وكل ما وضعه من قواعدَ وحدود، هي الخير و الصلاح المطلق. قد نحتاج لسنواتٍ و عقود لنجرب غيرها من القواعد، ولكننا سنصل في النهاية لهذه الحقيقة.

المشكلةُ تكمن في فهمنا لقواعد و حدود الإسلام، وهذا الإشكال يقع بين طرفي نقيض؛ طرف يحتكر وحده حق التفكير والإجتهاد، وطرف آخر يرفض الإلتزام بمبادئ البحث العلمي وإحترام التخصص. وتصوّري أن الصراع بينهما أنهك المشروع الإسلامي، وأدخلنا في مساجلات فكرية جانبية لا طائل من ورائها.ـ

وفي الختام، بما أننا ندرك بعقولنا أن اللهَ - سبحانه و تعالى - لا يحتاج للبشر، فبالتالي لا يحتاج التشريع الإلهي متمثلاً في الإسلام، إلى مذاهب بشرية!، بل الواقع أن هذه المذاهب هي التي تحتاج للإسلام لتصحيح النقص البشري فيها، تماماً كإحتياج البشر إلى الله سبحانه وتعالى ـ


د. أحمد جلال فؤاد




-----------------------------------------------------------
المراجع:ـ
  • الليبرالية.. أيدلوجية مراوغة أفسدها رأس المال
د. هبة رؤوف عزت
مدرس العلوم السياسية - كلية الاقتصاد - جامعة القاهرة
http://tareekelnajeh.blogspot.com/2009/02/blog-post_24.html

  • Liberal movements within Islam
http://en.wikipedia.org/wiki/Liberal_movements_within_Islam

  • ظهور الديموقراطية الليبرالية
بقلم: فريد زكريا

http://web.archive.org/web/20100218050641/http://www.fareedzakaria.com/articles/other/democracy.html

  • الديمقراطية والليبرالية: بين التكامل والصراع
معتز بالله عبد الفتاح
أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=14082010&id=42d2f7a0-e9e4-429b-9782-00ea28c8ab47

  • خريطة طريق... لإخراج التيار الليبرالي من أزمته
http://cihrs.org/Arabic/NewsSystem/Printable/Articles/1685.aspx 

  • تعدد الزوجات والعدل في الإسلام
http://islamlib.com/en/article/polygamy-and-justice

أنا مش علماني، أنا كافر و الحمد لله!ـ

كتبت في Friday, October 14, 2011  ·

بسم الله الرحمن الرحيم


لم يتعرض مصطلح للكثير من اللغط والخلاف على معناه كما تعرضت "العلمانية"ـ وكما هو الحال في أي أيديولوجية أو فهم بشري لفكرة أو عقيدة ما، فهناك دائماً

طيف من الآراء، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.ـ

هناك قاعدة منطقية عقلانية أقرها الشرع الإسلامي و هي: «الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره» ولها دليل من القرآن الكريم هو قوله تعالى:ـ
(ولا تقف ما ليس لك به علم)
بمعنى:ـ
أن الأمر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينه منه؛ فإياك أن تتكلم فيه وهي قاعدة مقررة عقلاً و منطقاً، نستخدمها جميعنا في حياته اليومية، في البيت و  العمل و مع أصدقائنا

بالبلدي يعني: ماينفعش تقول رأيك في أي موضوع إلا لما تاخد فكرة عنه الأول

لو سألت أي واحد فيكم إيه رأيه في القرآنيين أو الآشاعرة أو جماعة شهود يهوه  أو السبتيين، أو حتى طريقة مونتيسوري في تعليم الأطفال لن تستطيع الحكم على أي منها قبل معرفتها جيداً،، وكلما إزدادت معرفتك بهذا الشئ،  زادت قدرتك على الحكم عليه بطريقة صحيحة -من وجهة نظرك بالطبع!ـ

طيب، ما الحال بالنسبة للعلمانية؟
الأول نعرف ما هو تعريف العلمانية؟
ويؤسفني القول أنه لن تجد إتفاقاً على تعريف واضح للعلمانية، حتى بين العلمانيين  أنفسهم! كما هو الحال في الليبرالية!ـ

لو عايزين تعريف من القواميس ، ممكن نلاقي
indifference to or rejection or exclusion of religion and religious considerations
أو
a system of political or social philosophy that rejects all forms of religious faith and worship.
أو
the view that public education and other matters of civil policy should be conducted without the introduction of a religious element.
أو
the attitude that religion should have no place in civil affairs
وعند الفلاسفة، سنجد هذا التعريف
a doctrine that rejects religion, esp in ethics

وبالعربي:العلمانية تعني اصطلاحاً فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة أو إدارة شئون البلاد

وعرّفها "جون هوليوك"  بأنها: " الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان بالقبول أو الرفض

وتعريف آخر:ـ
فصل المؤسسات الدينية ( الكنيسة ) عن المؤسسات السياسية ( الدولة )ـ


وهذا ما جعل فيلسوف بحجم الدكتور المسيري رحمة الله عليه يضع كتاباً من جزئين  ـ(كان له جزء ثالث، ولكنه مات قبل كتابته) عن تعريف العلمانية
 وملخصه هو أنه هناك نوعين أساسين من العلمانية

علمانية جزئية و شاملة
العلمانية الجزئية "تفصل" الدين عن شئون إدارة الدولة (سياسياً و إقتصادياً و تنظيمياً)ـ  ولكنها لا تأخذ موقف معاد للدين فيما دون ذلك كممارسة الشعائر و الحياة الشخصية  والقوانين المنظمة للأسرة

العلمانية الشاملة: تأخذ موقف معارض لأي مرجعية دينية أو مظهر ديني، حتى في  شئون الحياة الشخصية..

والخلاصة أن العلمانية إصطلاحاً ترفض أي "مرجعية متجاوزة"ـ  والمرجعيات المتجاوزة، هي المرجعية التي لا تنبع من الإنسان، بل تتجاوزه سواء  للسماء (دين) أو قيم متوارثة تتجاوز النقد!ـ

يعني بالبلدي، العلمانية ماعندهاش حاجه غير قابلة للنقد والرفض، مش بس الدين، العلمانية الشاملة بترفض المنظومة الأخلاقية إذا كانت ستعطل أو تعوق الحياة المادية.ـ فهي لا تتعترف بأي عالم "متجاوز" للحياة المادية المنظورة، وبالتالي لا معنى للدين
 أو حتى مكارم الأخلاق التي لا منفعة مادية حياتية من ورائها!ـ

أما العلمانية كتعريف فهي مشتقة من العالم و ليس العلم والمقصود بالعالم هنا، العالم المادي، لتمييزه عن العالم الروحي الكنسي
فلا يمكن فصل ظروف نشأة العلمانية عن محاولة فهمها، العلمانية نشأت في أوروبا  رداً على توحش الكنيسة في مواجهة المخالفين لها في شئون الحياة، فالبابا في  المسيحية له سلطة روحية على المسيحيين، بمعنى أنه يتكلم بإسم السماء، وهو معصوم  فلا يمكن أن يعتذر لأنه لا يخطئ

وبالتالي رفض العلماء و العقلانيون هذا التصور، وما نتج عنه من تحجيم لأي فكر يختلف مع آراء الكنيسة، فنشأت العلمانية نسبة للعالم الأرضي المادي في مقابل هذا العالم الروحي السماوي

ونسمع هذا الوصف كثيراً في المسيحية، مسيحي علماني يعني لا ينتمي للكهنوت  الكنسي (يعني ليس قسيس أو راهب أو خادم ،، الخ)ـ

إذاً، فظروف نشأة العلمانية، هي ظروف خاصة بأوروبا المسيحية و طريقة تعامل  الكنيسة مع شئون الحياة، لاحظوا أن محاكم التفتيش هي إختراع كنسي،ـ

وفي المقابل لم يحدث في التاريخ الإسلامي صدام حقيقي بين السلطة الدينية (إن صح التعبير) و العلماء أو المفكرون..كان هناك خلاف بين السلطة السياسية و  باقي أفراد المجتمع الإسلامي لكن القارئ الأمين للتاريخ الإسلامي سيجد أن نظام الحكم في الدولة الإسلامية لم  يكن "دينياً" بالمعنى الفهوم، فحكام الدولة الإسلامية لم يكونوا فقهاء أو محدّثين أو  من حفظة القرآن،،

لاحظ عزيزي القارئ أنه بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يتولى الحكم فقيه كعبد الله بن عباس أو عبد الله بن عمر
أو أحد من كتبة الوحي كزيد بن ثابت، أو حتى أحد من رواة الحديث كأبو هريرة،، فالدولة الإسلامية لم تكن دينية منذ البداية!ـ

بالعكس لقد لاقى الكثير من علماء الأمة من التعذيب على يد  رجال الدولة ما يعرفه قارئ التاريخ تعذيب الأئمة إبن تيمية و إبن حنبل لمجرد خلافات مع السلطة السياسية

في حين لم نسمع عن حرق إبن الهيثم أو الرازي أو حتى إبن رشد،، الخلاف الذي حدث  مع إبن رشد ، كان على مستويين، مستوى ديني راقي، قام فيه ابو حامد الغزالي  في الرد عليه بكتابات،، ومستوى سياسي بحت حدث فيه حرق لكتب إبن رشد

المهم، أنه لا يستقيم عقلاً تطبيق تجربة في مجتمع ما لمجرد أنها نجحت!، لابد من  دراسة ظروف نشأتها و أسباب نجاحها!ـ

مثال قد يبدو ساذجاً:ـ
لو واحد ذكي و مجتهد دراسياً، ولكنه عايش في بيت ، الأب سكران طول النهار،  والأم بتبيع شرفها عشان تجيب فلوس، والبيت كله خناقات و ضرب و فلوس حرام،،  لو هذا الإنسان هرب من البيت، وراح يعيش لوحده في بيت تاني و بلد تانية،  هينجح و يبقى حاجه كويسه،،، هل معنى ذلك إن أي واحد لو ساب بيت أهله  هينجح؟؟

ما فعله هذا الشخص كان ضرورة منطقية و نتيجة حتمية لمقدمات حدثت في حياته،،ـ  ونشوء العلمانية في أوروبا كان أيضاً ضرورة و حتمية للطريقة التي تعاملت بها   الكنيسة مع المخالفين لها

هل هناك في الإسلام ما يسوغ هذه الضرورة؟؟

لن أجيب على هذا السؤال الآن، ولكن سأقوم بطرح عدة نقاط، تبين إشكالية العلمانية  مع الإسلام

في الواقع، العلمانية عندها مشكلة مع الإسلام و اليهودية، مشكلتها مع المسيحية أقل!ـ فإذا كانت العلمانية ترفض أي مرجعية متجاوزة كما قيل سابقاً (وبالتالي لا يوجد  عاقل يقول ""علمانية بمرجعية إسلامية""ـ)ـ هذه متناقضة منطقية

المهم: مشكلة العلمانية مع الإسلام و اليهودية ، بالمختصر كده، إن اليهودية و  الإسلام، هما شريعتان فيهما تنظيم لشئون الحياة بكل تفاصيلها

بينما في المسيحية الأمر يختلف قليلاً، فورد على لسان المسيح في العهد الجديد:ـ
"مملكتي ليست من هذا العالم"
وورد أيضاً
"دع ما لقيصر لقيصر و ما للرب للرب"
فالمسيح لم يتحدث لأتباعه عن أحكام الزواج و الطلاق بالتفصيل، لم يتحدث عن  الميراث ، أو أصول التعاملات المالية، أو العلاقات مع الآخر ، أو حتى تفصيل  الصلوات و الصيام، فترك أمور الحياة لما ورد في العهد القديم
"ولا تظنوا إنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل"،
وإهتم بالجانب الروحي الذي كان غائباً بين بني إسرائيل
...
والمقولة الشهيرة التي يرددها المصريون
"الدين لله و الوطن للجميع"
تتماشى مع المفهوم المسيحي
...
لن أتطرق للوضع بالنسبة لليهودية التي يوجد فيها الكثير من أوجه الشبه مع الإسلام من حيث تعدد الزوجات و تحريم الخنزير و ذبح الحيوانات و حتى الحجاب بالنسبة للنساء، وبالمناسبة: الحجاب واجب على المرأة في المسيحية!!،ـ، ويكفي الإشارة فقط إلى إصرار الحكومة الإسرائيلية على إعتراف الفلسطنيين "بيهودية" إسرائيل، لنعرف العلاقة بين اليهود المتدينيين و العلمانية
...
بالنسبة للإسلام، فالتشريع الإسلامي يمثل إشكالية مع المفهوم العلماني، سواء العلمانية الجزئية أو الشاملة
فالإسلام كشريعة جاءت لتنظيم شئون حياة الإنسان قبل ميلاده، إلى ما بعد وفاته!ـ
فهناك قواعد إختيار شريك الحياة ، حتى يأتي الأبناء في ظل أسرة صالحة
هناك حقوق للجنين "فقه الجنين"ـ
وتمتد مظلة التشريع الإسلامي لتغطي حياة الفرد في علاقته مع الآخر سواء كان من الأسرة، أو الجيران أو الحاكم أو الآخر الديني ، أو حتى أعداءه وقت الحرب!ـ
دين ينظم معاملاته المادية،ـ
وعلاقات الدول مع بعضها البعض في السلم و الحرب
والعلاقة بين الفرد و نفسه
و علاقته بالخالق
و لاينتهي الهدي الإسلامي بموت الإنسان، بل كفل له ما ينفعه بعد الموت (إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)ـ

الخلاصة، أنه لا يمكن "فصل" الدين عن شئون الحياة في الإسلام، لأن الإسلام حاضر في كل لحظة من حياتنا، من أبسط هذه اللحظات و أشدها خصوصية (العلاقة الحميمية، الإستحمام،،، الخ)، حتى أعقدها و أكثرها تشابكاً (الحروب بين الدول و المعاهدات الدولية)ـ

هذا لا يعني بالطبع "جمود" الحياة و الحجر على التفكير، فالإسلام كمنهج يضع قواعد عامة و مقاصد للشريعة، ولا تجد أحكام قطعية إلا نادراًّ، و الأصل هو الأحكام  العامة التي تتسع للكثير من الإجتهادات و إسقاط الواقع فيما يعرف بـ "فقه الواقع" وأوضح دليل على ذلك تعدد المدارس الفقهية على مر التاريخ الإسلا مي

ولم يحدث على مر 1400 سنة أن طرأت مسألة في أي بلد، لم يكن لها إشارة من قريب أو بعيد في المرجعية الإسلامية
والقول بصلاحية الإسلام لكل زمان و مكان، يعني "مرونة" التشريع الإسلامي لكل زمان و مكان ، مرونة بلا إنفلات أو جمود

وهو أمر نعرفه كأطباء فيما يعرف بأصول الطب
Fundamentals
فمع تعدد المدارس في الجراحة أو الباطنة، ولكن هناك أصول طبية لا يختلف عليها الأطباء بإختلاف مدارسهم

دليل تاريخي على سعة الشريعة الإسلامية هو وصول الدولة الإسلامية لأندونيسيا شرقاَ، حتى الأندلس غرباً، ومرونتها في التعامل مع هذا الطيف البشري الواسع من عرب و عجم، مسلمين و أهل كتاب، أو حتى مجوس (أبو لؤلؤة المجوسي الذي قتل سيدنا عمر بن الخطاب، كان يعيش في المدينة و آمن على نفسه!!ـ)

برجاء البحث في جوجل على العصر الذهبي لليهود، لتعرف كيف قدّم هذا الدين نموذج عملي للتعايش مع الآخر

وأدعو من عنده شك في ذلك أن يقارن -بكل أمانة- تاريخياً بين
(1)
  حكم المسلمون أسبانيا (الأندلس) 800 سنة، ولم يحدث إضطهاد للمسيحين أو اليهود، ولم تهدم كنائسهم أو تمنع صلاواتهم
ثم ما الذي حدث بعد دخول فيرناندو وإيزابيلا؟
قتل للمسلمين و اليهود، محاكم تفتيش، هدم للمساجد
هل نجد اليوم في أسبانيا أي مظهر إسلامي؟؟

كم نسبة المسلمين الأسبان أصلاً في اسبانيا؟

(2)
عاش المسيحييون في مصر 600 سنة قبل دخول الإسلام،ـ
ما الذي حدث ؟
لو كان تعامل المسلمين مع أقباط مصر، كتعامل نصارى أوروبا مع أهل الأندلس (مسلمين و يهود)، لم تكن مصر اليوم كما نعرفها!ـ
فالقول عن إضطهاد للمسيحيين في مصر ، إضطهاد منظم على مدار 1400 سنة، هو قول لا معنى له عقلاً أو حتى تاريخياً!!ـ
فهل كانت تعجز الدولة الإسلامية في عز قوتها ، أن تبيد أي أقلية دينية؟ كما فعل الأوروبيون مع الهنود الحمر في أمريكا؟

أو سكان أستراليا الأصليين؟؟

==========================

نرجع لمقولة " الدين لله و الوطن الجميع "، هل تتعارض مع الإسلام؟
قبل الإجابة، لابد أن نتصور ونعرف المقصود بهذه الجملة قبل الحكم عليها،، و أترك لك عزيزي القارئ فهم هذه العبارة، ولكن أدعوك لمقاربة هذا الفهم مع الآيات القرآنية التالية:ـ

قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم

فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما

وللذين يقولون بأن نأخذ من الدين ما ينظم العلاقة بين الفرد و خالقه، ولكننا كبشر ننظم علاقاتنا مع بعض وفقاً لقوانينا و الإسلام لا يتعارض مع ذلك، فله أن يقرأ هذا الآيه:ـ

أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تفعلون

لاحظ أن الله سبحانه و تعالى قال على من "يرفض" بعض الآيات بقوله " تكفرون

وقال أيضاً:ـ

إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذاباً مهينا

لم و لن أفسر هذه الآيات، ولكن أدعو القارئ -إذا كان الأمر يعنيه - إلى البحث بنفسه عن تفسير هذه الآيات، وأن يحكم بعقله، ويجيب على هذا السؤال:ـ

هل هناك تعارض بين العلمانية بمفهومها الغربي، و الإسلام كما ورد في القرآن و صحيح السنة؟؟


قال مؤرخ الحضارة والفلسفة «ول ديورانت» فى كتابه «مباهج الفلسفة»، معلقا على الألوهية عند أرسطو:

«يا لإله أرسطو من إله مسكين، إنه كملك الإنجليز يملك ولا يحكم» أما إله المسلمين فهو يعلم كل شىء، ويملك كل شىء، ويدبر كل أمر، «وأما قيصر وما لقيصر فهو كله لله الواحد القهار
ففي المفهوم الإسلامي الدين و الوطن و الحاكم و المحكوم لله رب العالمين، بمفهوم العبودية و التسليم المطلق لما يريده الله سبحانه و تعالى، هذا إن إرتضيته كإله!،ـ

أما أن أختار ما يعجبني من أحكام ، و أترك الآخر، فهذا ما سمّاه القرآن "كفر" كما ورد سابقاً.ـ
لا أقول بأن العلمانية كفر!، ولكن قل لي ماذا تقصد بهذا المصطلح، أسألك وماذا ستفعل في آيات القرآن الكريم التي قد يكون لها حكم آخر؟؟
أما أن يخرج علينا أحد و يقول أن الإسلام لا يتعارض -في المطلق -مع العلمانية فهو كمن يقول أن أسس الطب التقليدي لا تتعارض مع العلاج بالأعشاب، أو السحر أو تسخير الجن، ولا تعترض عليّ فهذه حرية رأي؟!!؟!ـ
=====================
وهذا يدفعنا دفعاً للحديث عن "التكفير"، و يمكن تلخيص موضوع " الإيمان و الكفر"  بما يلي:ـ

نحن كمسلمين لا نكفر أفراداً ، بل نكفر أفكاراً
فالقائل بإباحة الخمر طالما أنه لن يفقد وعيه، أو بإباحة الزنا طالما أنه لن يتسبب في حدوث حمل وبالتالي لا يوجد إختلاط أنساب،،، هذا القول هو كفر بتعاليم الإسلام،، ولكن تكفير قائله ليست مهمتنا كمسلمين عاديين،، هو مهمة الحاكم أو القاضي، فعليه أن يتأكد من فهم القائل لمعنى الإسلام كدين، و معنى الزنا أو الخمر، وما هو مفهومه عن الإباحة، وظروف التحريم، وحجية الشريعة،، الخ
لاحظوا أن الخلاف الذي نشأ في الثمانينيات حول حكم فوائد البنوك، لم يكن على إباحة الربا!!، فالربا بإتفاق الفقهاء على مر العصور حرام شرعاً، ولكن الحلاف كان على تعريف مصطلح الربا، في مقابل فوائد البنوك، وهل هما شئ واحد، فتكون حراماً، أم يختلفان، وهنا يكون الإجتهاد؟؟
وموضوع الإجتهاد، ومن له حق الإجتهاد، ده موضوع كبير، ممكن نتكلم فيه بعدين.ـ

لكن المهم التأكيد على الفرق بين تكفير الأفكار و تكفير الأفراد!ـ
وبالبلدي كده ، نفكر في المثال ده:ـ
حصلت حرب بينا و بين إسرائيل ، وإنت عرفت و إتأكدت إن زميلك في العمل بيبعت مراسلات لإسرائيل، بيقولهم على أخبار الناس في الشارع ورأيهم في اللي بيحصل، والحرب، والأسعار، و المظاهرات، وبيقولهم أخبار عن شغله بالتفصيل،،، مفروض تعمل إيه؟؟
هل دي حرية رأي و تعبير بمعنى أنه حر يسيب إيمانه بمصر و يؤمن بولاءه لإسرائيل؟؟
الأول قبل ما نختلف: هل هذا الفعل -بصرف النظر عن فاعله- صحيح أم خطأ،، بمعنى قانوني: هل دي خيانة للوطن "= كفر في المقابل الشرعي"، لأنها تهمة (التخابر مع العدو في زمن الحرب) لو ثبتت ستكون عقوبتها إزهاق الروح على أقصى تقدير

يبقى هننكر هذا الفعل ، لكن إسقاطه على شخص معين، ليست مهمتنا، بل مهمة السلطات،، يبقى نبلغ عنه،، وهم اللي يتأكدوا، لأنه ممكن جداً، يطلع زميلك ده شغّال مع المخابرات أساساً، وكل المراسلات دي بمعرفة جهاز المخابرات العامة!!ـ

بالنسبة للمفهوم الديني بتاع الكفر و الإيمان
فتعبير الإيمان و الكفر ليس فيه ما يستفز أحد!ـ
أنا مؤمن و كافر في نفس الوقت،، كل إنسان على هذه الأرض هو مؤمن و كافر في نفس الوقت
مؤمن بعقيدة، وكافر بما سواها
فالمسلم مؤمن بالإسلام وكافر بأي دين آخر
والمسيحي أيضاً مؤمن بالمسيحية، وكافر بأي دين آخر
حتى الملحد، مؤمن بعدم وجود إله، وكافر بأي إله!ـ
و لا يجتمع الإيمان بالشئ و نقيضه في نفس الوقت،، هذا قانون معروف في المنطق!ـ
و لايوجد دين أو عقيدة تؤمن بالعالم الآخر، تقول بأن أتباع غيرها من العقائد سيدخلون الجنة!!ـ

لكن إيه لازمة سؤال البعض ممن يسمون أنفسهم بالمفكرين (ومافيش علاقة بينهم وبين أي فكر)، عن : هل الإسلام بينظر للمسيحيين ككفار و لا لأ؟؟
هو الصراحة، السؤال ده مالوش أي لازمة في الحياة العامة، إلا إذا كان المقصود به حاجة من إتنين:ـ
التوجه به لمن يطلقون على أنفسهم بالمتنورين، وبالتالي هيقولوا إجابة لا أصل لها في الشرع، عشان يرضوا الطرف اللي بيسأل
أو يتم التوجه به لمرجعية إسلامية، وبالتالي هيقول الإجابة اللي بيقولها القرآن ، وبعدين اللي سأل السؤال يصرخ و يقول : إلحقوا بيكفرونا!!!ـ
وبعدين؟؟
السؤال الصح للي عايز يبني البلد ، مش يهدّها، يبقى: دينك بيقول لك تعاملني إزاي؟
تعاملني إزاي في الدنيا اللي إحنا عايشنها دي؟؟

لكن السؤال بتاع : دينك شايفني إيه؟، إيه الهدف منه؟
إنت كافر بالنسبة لي، وأنا كافر بالنسبة لك،، دي مسألة هنعرف إجابتها في الآخرة، يطلع حد فينا صح و التاني غلط، أو إحنا الإتنين غلط و غيرنا صح!!ـ
أو مافيش حد صح، ومافيش آخره من أساسه!!ـ هنعرفه ساعتها

، المهم هو: كونك كافر بالنسبة لي و أنا كافر بالنسبة لك، إيه تبعاته على حدود العلاقة بيننا؟؟

لكن لو مصمم يسأل عشان فاكر إنك هيحرجني،، ماشي، ممكن أرد عليه بسؤال: وإنت دينك شايفني إيه؟
بلاش دي، جاوب على السؤال ده، دينك بيقول إيه عن سيدنا محمد؟؟
ولا تعتقد عزيزي القارئ أن المشكلة بين الإسلام و المسيحية،،ـ
فأنا لا أتصور أن يسأل مسيحي عاقل يعيش في مجتمع غربي، أن يسأل في الإعلام وعلى الملأ هذا السؤال:ـ
ما هو قول اليهود في السيد المسيح، و العذراء مريم؟؟
إذا سأل هذا السؤال، فعواقب الإجابة لن تكون في صالح أي طرف!!ـ 

أنا مش عايز أعرف إجابة أي سؤال لأني عارفها!!ـ لكن حبيت أوضح بشكل صريح إن لو البعض من مثيري الفتنة فتحوا الباب لأسئلة و مواضيع لا مجال للخوض فيها في العام،، مواضيع مجالها هو الخاص، وللخاصة و لمن يريد البحث فيها،،مواضيع لا فائدة للمجتمع من البحث فيها ،،ـ
لو الباب ده إتفتح، هيفتح أبواب تانية من هنا و من هناك،ومش هنخلص

يبقى اللي عايز يعمل فتنة، يسأل الأسئلة الغلط
والل عايز يبني البلد، يسال أسئلة التعايش، ـ
أسئلة العقيدة، لا تكون على العام،،، مازال الطريق أمامنا طويلاً حتى نصل لهذا الترف و الرقي الفكري!ـ


وأخيرً : أنا كمسلم ، ممكن أقول إن
أنا كافر و الحمد لله!ـ
كافر بأي دين غير الإسلام

د. أحمد جلال